أن معظم أولياء الأمور، لا يجيدون انتقاء البرمجيات لأبنائهم، بعضهم (وللأسف) لقلة اهتمامهم أصلاً بهذا الأمر الحيوي قدر اهتمامهم بأمور أبنائهم الدنيوية والشكلية، والبعض الآخر لديهم النية الصادقة، ولكنهم لم يثقفوا أنفسهم ويتسلحوا بالمعايير التي ينبغي عليهم اتباعها عند شراء برنامج حاسوبي للأطفال والفتيان، ولهذا البعض الأخير، نوجز فيما يتسع له المقام بعض المعايير والقواعد التي تعينهم على اختيار البرمجيات المناسبة لأطفالهم.
إن الغاية من اقتناء البرمجيات المناسبة لأطفالنا، أن نحببهم بالبرمجيات المفيدة الهادفة، وأن يتقنوا استخدام جهاز الحاسوب فيما ينفعهم، ويشحذ عقولهم، ويجعلهم مواكبين لعصرهم، على أن يكون استخدامهم له برغبة وألفة، لا بضغط وإكراه، وأن يكون مسلياً ممتعاً، لا مضجراً مملاً، أي أن ما ينبغي الانتباه إليه في برمجيات الأطفال أمران أساسيان: مادة البرنامج وطريقة عرضها للطفل.
أما مادة البرنامج فيجب أن تحقق ثلاثة شروط:
الأول: أن تكون مناسبة لسن الطفل ومستواه الدراسي، فلا نأتي ببرنامج معقد لطفل صغير، ولا برنامج بسيط بدائي لفتى يافع، لأن من شأن ذلك أن يُنَفِّر كلاهما من الحاسوب وبرامجه.
الثاني: أن تكون المحتويات مما يلبي حاجة في نفس الطفل تجعله يقبل عليها، وأن يمارس من خلالها هواياته التي يحب، فإن كان ميالاً للفن نشتري له برامج الرسم والتلوين والتصوير وما يتعلق بها، وإن كان يحب القصص والحكايات، نأتيه ببرامج السير والتاريخ، وإن كان ميالاً لحل الألغاز وذو ذهن رياضي، نأتيه ببرامج الحساب والرياضيات، على أن يكون ذلك كله بمدخل مناسب، فلا تقل لابنك مثلاً: "عليك أن تحل مسائل هذا البرنامج كلها"، لأن ذلك سيشعره أنه أمام واجب مدرسي، ولكن قل له: "أعلم أنك تحب الألغاز والحساب، لذلك جئتك بهذا البرنامج لترينا من خلاله مهارتك وذكاءك"، إن من شأن هذا الأسلوب أن يجعل استخدام البرنامج بالنسبة للطفل متعة وإثباتاً للذات.
الثالث: هو التأكد من خلوها من الأفكار الهدامة والمخالفات الشرعية، فلا نأتي له ببرنامج يصور الكافر بطلاً والمسلم شريراً، أو بلعبة تاريخية تصور صلاح الدين غاصباً والصليبيين فاتحين، أو لعبة متعددة المراحل، يفوز من يبلغ آخرها بصورة فتاة، أو قصة عن الحيوانات يكون بطلها خنزير، أو لعبة فيها شيء من الرهان أو القمار، أو غير ذلك من المحتويات الضارة، والأمثلة السابقة ليست من الخيال، بل هي من برامج موجودة في بعض الأسواق العربية، وقد لا يعلم حتى من يبيعها ما تحتويه من أذى وإفساد لأطفالنا، فالحذر الحذر أيها الآباء والأمهات.
هذا عن محتويات البرامج، أما طريقة العرض، فهي لا تقل أهمية عن المادة في برامج الأطفال، لأن طريقة العرض هي التي تجعل الطفل يقبل على البرنامج ويتفاعل معه ويستفيد منه، أو يعرض عنه ويهجره، ولتكون طريقة العرض مناسبة للأطفال ينبغي أن تحقق خمسة شروط:
1-أن لا تعتمد على النص المكتوب فقط، أو على الإلقاء الصوتي الخطابي المباشر، بحيث تصبح الشاشة سبورة والحاسوب مدرساً خصوصياً.
2-أن يكون سبيل البرنامج لكسب الطفل هو الوسائط المتعددة من صورة وحركة ونشيد وفيلم، بالإضافة إلى النص والصوت.
3-أن يكون البرنامج تفاعلياً بحيث يكون للمستخدم الدور الأول في تشغيله، لا أن يكون مجرد عرض لا دور للطفل فيه غير المتابعة والفرجة، بل ينبغي أن يشعر الطفل أنه هو الذي يقود سير البرنامج خلال مراحله المختلفة.
4-أن لا يكون البرنامج جافاً، ونعني بذلك أن يكون في فقراته شيء من الطرافة والتسلية، وإلا فإن الطفل يمل منه ولا يعود إليه.
5-أن يحتوي على ألعاب أو مسابقات يتم فيها اختبار الطفل في استيعاب ما تعلمه من البرنامج، مع وجود نظام لتسجيل النقاط، بحيث بتابع الآباء سير أبنائهم وإنجازهم، كما يستحب أن يسمح بمشاركة أكثر من لاعب في الألعاب، لأن المنافسة تغري الطفل بتكرار استخدام الألعاب مرات متتالية، فيزداد حباً للبرنامج، وترسخ المعلومات التي تعلمها منه.
ومن نافلة القول أن من أراد اختيار برنامج يحقق المواصفات السابقة، فلا ينبغي أن يكون الثمن المالي هو معياره الأول، وأن عليه أن يجتهد في تثقيف نفسه حاسوبياً عن طريق قراءة المصادر المستقلة كالكتب والمجلات والصحف، وسؤال المجربين والخبراء، وعلى الآباء أيضاً تجريب البرامج بأنفسهم إن أمكن ذلك قبل شرائها، وعدم الاكتفاء بما يرونه مكتوباً على علبها أو بما يقول لهم بائعها، وهل هناك من يشتري لابنه ملابس إلا بعد أن يقيسها ليرى مناسبة الشكل واللون والمقاس عليه؟
وأخيراً، وحتى تكتمل الفائدة لأبنائنا، ولنبلغ بهم الثورة الحاسوبية المطلوبة، فإنني أهمس في أذن كل ولي أمر فأقول: اقتطع شيئاً من وقتك لابنك، واجلس معه أمام شاشة الحاسوب، وكافئه على استخدامه للبرامج الهادفة، وتفاعل معه، وشاركه في لعبه الحاسوبي، واستنتج من تعاملك معه ما يفضله من البرامج الجيدة المفيدة، وما يناسب هواياته ومواهبه، لتأتي له بها.
أبنائي وأبناؤك هم أمل الأمة، ويستحقون شيئاً من وقتنا، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.