سبحان الله العظيم الذي علم الإنسان ما لم يعلم، دعانا إلى التأمل في الكون، وفي ما خلق من إنسان
وحيوان ومن نباتٍ وجماد كي نفكر ونعقل. وقد ذكر الله في محكم آياته بعضاً من الألوان التي نستطيع ان نعتبرها ألواناً طبيعية أوألواناً أساسية، وبضعاً من الألوان الثانوية. فذكر( الأحمر ـ الأصفر ـ الأزرق). وهي ألوان أساسية ولم يذكر من الألوان الثانوية سوى الأخضر والأسود وهما من الألوان المركبة. ويقول سبحانه وتعالى: ( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) وقال تعالى: ( وما ذرأ لكم في الأرض مختلف ألوانه. إن في ذلك لاية لقوم يذكرون) لقد جعل الله مما خلقه ووضعه في الأرض من نبات وحيوان وجماد مختلفة الألوان. ووضع جملة( مختلف ألوانه ) عامة ولم يحددها ليوحي بتعدد ألوان النبات والحيوان فتكون عبرة وعظة وتذكرة. ثم ذكر الله بعد ذلك في آيات عديدة بعض من الألوان كل على حدة.
اللون الأصفر:
قال تعالى في سورة البقرة: ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا مالونها. قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين)
وجاء في سورة الروم( ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلوا من بعده يكفرون)
أما سورة المرسلات فيذكر البيان الألهي: (إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالت صفر).
لاريب أن للون الأصفر دلالات مختلفة ومتعددة بالآيات الكريمة. فقد وصف الله سبحانه وتعالى البقرة بأنها صفراء فاقع لونها تسر الناظرين دلالة على جمالها وتألقها وحيويتها وذلك في عبارة موجزة بليغة. أما في سورة الروم والزمر والحديد فاللون/ الأصفر/ عبارة عن نذير لفقدان الحياة والحيوية والعدم والحطام، ويعبرعن الضخامة والتكتل بربطه بالجمال الصفراء، المتحركة في وصف فني رائع لمعنى الشرر الملتهب المتطاير.
اللون الأبيض:
ورد في سورة آل عمران( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون)
وفي سورة يوسف قال تعالى: ( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم)
إن البياض هو قمة الصفاء والنقاء والوضوح، والسواد هو قمة القتامة والإعتام، وهما يتتابعان في آية واحدة للتعبير عن التباين الشديد بين لونين متناقضين أقصى التناقص لإبراز المعنى. ويستعمل الأبيض( في الطهر والقبول عند الله، إن المؤمنين سينالون الرحمة وهم فيها خالدون). كما أنه يظهر جمالاً رائعاً حيث شبه الله به - لجماله وصفاته- في( سورة الصافات) الكأس عندما يحتوي على شراب طاهر فيه لذة للشاربين. كما أنه وصف به زوجات أهل الجنة ذوات العيون السوداء الكاحلة والمشبهات بالبيض المكنون تعطي تأثيراً جميلاً للون الأسود عندما يتباين مع اللون الأبيض، فقمة التباين هذه تعطي للأبيض نصاعة ووضوحاً وتعطي للأسود قتامة.
اللون الأزرق:
قال تعالى: ( يوم ينفخ في الصور ونحشر المجمرين يومئذ زرقاً).
اللون الأزرق هو اللون الوحيد الذي يغمر سطح الأرض، ويغلفها وينعكس من الغلاف الجوي على شكل مسطح أزرق غامق عريض لانهائي يسمى السماء، كما أنه يحدد الأبعد ويعطي الشعور بالعمق وهو لون قابل للتأثر سلبي بارد، يمتاز بتخفيف التوتر والعصبية عند الإنسانـ بعكس اللون الأحمر المثير للأعصاب والباعث للهيجان، إنه في السماء سموٌ وعمق ويرمز إلى المحبة، وفي المياه برودة وارتواء. وقد ورد في القرآن في هذه الآية دلالة على أن هذه الأجسام لاتبلغ الموت أوالحياة. فالمعروف أن لون الدم هو الأحمر وعندما يتحول إلى الأزرق فهي تعني احتباس الأكسجين الشديد وفساده، وهي أصدق تعبير عن الحشر. وهو لون شفاف كالأثير ظليل الرحمة وهو شامل كمفهوم القدرة الإلهية.
اللون الأخضر:
حظي اللون الأخضر كما ذكر في القرآن الكريم أكثرمن أي لون آخر فهو يمثل في البيان الإلهي الخير والجمال والسلام والهنا. وقد وصف الله به زينة ملابس أصحاب الجنة الحريرية وصفا لامثيل له للون مختار من ألوان الجنة. يدل على النعيم فأحيا به الأرض بعد موتها.
جاء في سورة الرحمن( متكئين علىرفرف خضر وعبقري حسان) وفي سورة يس يقول تبارك وتعالى( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون)
اللون الأحمر:
قال تعالى( ألم تر أن الله أنزل من ا لسماء ماء فأخرج به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود)
إن تمثيل الألوان في هذه الآية الكريمة لايمكن أن يخطر على بال، فالعلاقة هنا في المعاني يأسر الألباب، نزول الماء من السماء على أرض ظامئة لالون فيها ولاحياة تعقبه ظهور النباتات، بعد هذه الوحشة، وإخراج الثمرات بألوان شتى فلا تحديد هنا للون أو المجموعة من الألوان دون أخرى، وهو متروك للخيال. ولكن عندما تلتها كلمة الجبال مباشرة بضخامة تأثيرها ووصفها على شكل مجموعات بيضاء وحمراء متنوعة الدرجات بمجموعات شديدة السواد، فإن ذلك يؤكد التباين وقوة التعبير التشكيلية في تمثيل اللون الأحمر بوضعه بين اللون الأبيض والأسود حيث يظهر الأبيض أكثر نصوعاً ووضوحاً بين اللونين الأسود والأحمر.
اللون الأسود:
قال تعالى في سورة آل عمران( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون)
وفي سورة فاطر ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عبادة العلماء إن الله غفور رحيم) وفي سورة الزخرف يصف الله وجه الإنسان بالسواد دلالة على الحرج والخزي، كذلك ضرب الله مثلاً بشدة السواد في (وغرابيب سود) وهي جمع غراب المعروف بلونه الأسود الحالك.
ويختلف تأثير اللون الأسود عندما يحيط به لون أو يقع خلفه أو أمامه لون آخر ناصع أو مضيء حيث يتغير سطوع اللون وكنهه وتأثيره تبعاً لاختلاف هذه الأوضاع. فالأسود لايظهر جليا مشرقاً إلا عندما يوضع بجواره اللون الأبيض أو الأحمر أو الأصفر.