إتجه الفنان المسلم إلى عوالم جديدة بعيدة عن رسم الاشخاص ، وبعيدة ايضا عن محاكاة الطبيعية وهنا عبقريته وتجلي ابداعه ، وعمل خياله ، فأوجد تلك المجالات الجديدة ، بعد ان اعمل فيها حسة المرهف وذوقه الاصيل .
إن الزخرفة واحدة من الوسائل المهمة التي تصنع الجمال ، وهذا مايوضح لنا السر في تبوئها مكان الصدارة بين الفنون الأسلامية الاخرى ، فهي العمل الخالص الذي لا يقصد به الا صنع الجمال ، وهنا يلتقي شكل العمل الفني بمضمونه ليكونا وحدة متماسكة لصنع الجمال ظاهرا وباطنا ،الامر الذي لانكاد نجده في اي نوع آخر من الفنون.
وقد عرف المسلمون بهذا الفن من بين الفنون جميعها ، حتى قيل ا ن الفن الاسلامي فن زخرفي .ذلك انه لايكاد يخلوا اثر اسلامي من زخرفة او نقش - مهما كان شكله - بدءا من الخاتم الذي تحلى به اليد ...وانتهاء بالبناء الضخم الواسع الذي يجمع الآلاف من الناس .
وانما اتجه الفنان المسلم الى هذا الفن لانه وجد فيه بغيته من حيث البعد عن دائرة الحظر في المنهج الاسلامي . فهو بعيد عن التشخيص بطبيعته ، واستطاع الفنان المسلم بخياله الخصب ان يحقق الامر الاخر وهو البعد عن محاكاة الطبيعة ، وبهذا كان هذا الفن ملائما للمواصفات التي يحددها المنهج الاسلامي .
وتعد العناصر "النباتية" وكذا العناصر "الهندسية" مقومات اساسية في بناء هذا الفن تتعاون مع بعضها تارة ، وتنفرد كل منهما على حدة تارة اخرى . وعلى هذا ؛ فهناك نوعان من الزخرفة :
* الزخرفة النباتية .
* الزخرفة الهندسية .
الزخرفة النباتية
تقوم الزخرفة النباتية او ما يسمى "فن التوريق" على زخارف مشكلة من اوراق النبات المختلفة من الزهور المنوعة ، وقد ابزرت باساليب متعددة من افراد ومزاوجة وتقابل وتعانق .. وفي كثير من الاحيان تكون الوحدة في هذه الزخرفة مؤلفة من مجموعة من العناصر النباتية متداخلة ومتشابكة ..متناظرة ..تتكرر بصورة منتظمة .
وقد تأمل الفنان المسلم ونظر في الطبيعة ..فنتعلم واعتبر ، ولكنه باعمال خياله استطاع ان يبتعد بفنه عن تقليدها ، فجاءت هذه التوريقات عملا هندسيا مؤسلبا ، أميت فيه العنصر الحي وساد فيه مبدا التجريد .
وقد انتشر استعمال هذه الزخارف في مجالات المختلفة ، في تزيين الجدران والقباب ، وفي التحف المختلفة نحاسية وزجاجية وخزفية وفي تزيين صفحات الكتب ..وتجليدها ..
"وقد تكون -هذه الزخرفة - ثنائية الاتجاه ، كما هو الغالب في الزخرفة التي نراها عل الحيطان والابواب والسقوف والسجاد والاثاث ، وكذلك في صفحات الكتب واغلفتها ، وقد تكون ثلاثية الاتجاه كما ترى في الاعمدة او العقود ، وفي المقرنصات في اعالي البوابات او جدران القباب ".
وقد عرفت زخارف التوريق في فنون ماقبل الاسلام باشكال مختلفة ، ولكنها - بشهاده غير المسلمين من دارسي الفنون ومؤريخيها - قد اتخذت بعد انتشارها بين فنون المسلمين سمتا اخر ، أساسه التنويع والتتابع ، والتحوير ، خلال انتشار الدعوة الاسلامية .
ان الفنان المسلم لم يبتكر وحدات زخرفية جديدة ، بل استعمل ماوجده بين يديه من وحدات في الفنون السابقة على الاسلام ، إلا أنه رتب هذه الوحدات ترتيبا غير مسبوق ، ولاءم بينها بطريقة مبتكرة ونسق بين اجزائها تنسيقا جعلها تبدو كانها شيء جديد اخترع لأول مرة ، وماهي في حقيقتها كذلك . لقد جمع الفنان المسلم هذه الوحدات الموروثة معا ، ثم صهرها في بوتقته ومزجها بفلسفة وسلط عليها اشعة عبقريته وخيالة ، فخرجت من بين يديه شيئا جديدا مميزا . وبذلك استحقت شرف الانبهاء وحملت اسم الاسلام بعد ان غذيت بلبانه وشبت في مجتمعه .
نماذج للزخرفة النباتية :
الزخرفة الهندسية
برع المسلمون في استعمال الخطوط الهندسية ، وصياغتها في اشكال فنية رائعة ، فظهرت المضلعات المختلفة ، والاشكال النجمية ، والداوئر المتداخلة ..
وقد زينت هذه الزخرفة المباني ، كما وشحت التحف الخشبية والنحاسية ودخلت في صناعة الابواب وزخرفة السقوف .
ولئن كانت هذه الزخارف دليلا على موهبة فنية عظيمة فهي أيضا دليل على علم متقدم بالهندسنة العملية .
والزخرفة الهندسية ذات أهمية خاصة في الفن الأسلامي ،ولعل أهميتها تلك نتيجة لما أشرنا اليه في الزخرفة النباتية ، من حيث مطابقتها للمواصفات التي يقبلها المنهج الأسلامي.
وهذا مايفسر لنا ذلك الأثر الكبير الذي تفرضه على كل الفن الأسلامي أذ أصبح الأسلوب الهندسي واحدا من الأساليب التي طبعت الزخرفة النباتية نفسها بأسلوبها فكثيرا ما جاءت هذه الزخرفة بأخراج هندسي عجيب بل أن الكتابة نفسها - وهي الفن الأسلامي الاّخر - كثيرا ماتفنن في أخراجها الفنان المسلم فجاءت في قوالب هندسية متنوعة الأشكال .
لقد أستطاعت الهندسة أن تفرض سيادتها - في الفن الأسلامي - وذلك بغلبتها على شبق الأشكال كما يقول "جارودي".
ولا يفوتنا هنا أن نذكر ماكان للفرجار من دور في تقدم هذه الزخرفة وسيادتها ، فقد كان للدائرة دور كبير في هذا العطاء غير المحدود من الأشكال يؤكد هذا ويوسع مساحته ملء بعض المساحات وترك غيرها فارغة.
وقد استطاع المسلمون أستخراج أشكال هندسية متنوعه من الدائرة ، منها المسدس والمثمن والمعشر .. وبالتالي المثلث والمربع والمخمس ، ومن تداخل هذه الأشكال مع بعضها وملء بعض المساحات وترك بعضها فارغا نحصل على مالا حصر له من تلك الزخرفات البديعة التي تستوقف العين لتنقل بها رويدا رويدا من الجزء الى الكل ومن كل جزئي الى كل أكبر..
ولقد كان "هنري فوسيون" دقيق التعبير عميق الملاحظة حينما قال:
"ماأخال شيئا يمكنه ان يجرد الحياة من ثوبها الظاهر وينقلنا الى مضمونها الدفين مثل التشكيلات الهندسية للزخارف الأسلامية ، فليست هذه التشكيلات سوى ثمرة لتفكير قائم على حساب الدقيق قد يتحول الى نوع من الرسوم البيانة لأفكار فلسفية ومعان روحية ، غير أنه ينبغي الا يفوتنا أنه خلال هذا الأطار التجريدي تنطلق حياة متدفقة عبر الخطوط فتؤلف بينها تكوينات تتكاثر وتتزايد ، متفرقة مرة ومجتمعه مرات وكأن هناك روحا هائمة هي التي يصلح لأكثر من تأويل يتوقف على مايصوب عليه المرء نظره ويتأمله منها وجميعها تخفى وتكشف في انواحد عن سر ماتتضمنه من امكانات وطاقات بلا حدود".
نماذج للزخرفة الهندسية :
الشكل الثماني والنجمة الثمانية والتكوينات المنبثقة عنها
الشكل السداسي والنجمة السداسية والتكوينات المنبثقة عنها
تمنياتي لكم بالتوفيق والفائدة