التعليم الفنى
التعليم الفني، يمهد لمستقبل أفضل لشبابنا، يؤهلهم لأن يكونوا مواطنين منتجين يساهمون بفاعلية في دعم اقتصاد الأمة، بما يمكنها من اعتلاء موقعها المناسب بين الأمم، كصاحبة أول حضارة وأعرق تاريخ.
ولقد حبانا الله سبحانه وتعالى بثروة بشرية عظيمة متجددة، من واجبنا أن نحافظ عليها ونسلحها بما يعينها على ممارسة حياة منتجة سعيدة، متمتعة بمواطنة صالحة آمنة بناءة. وقد كانت الثروة البشرية ورعايتها على الدوام محل اهتمام الدولة، وأخذت الثروة البشرية مكانها فى بؤرة اهتمام الحكومة، وحظى التعليم باهتمام خاص وكُلفت وزارتا التربية والتعليم والتعليم العالى بوضع برامج شاملة للتطوير مع تحديد إطار زمنى لخطوات هذا التطوير بما يلبى طموحات المجتمع والمواطنين.
ورغم الدور الواضح للتعليم الفني والتدريب المهني في توفير المهارات والقدرات المتناغمة مع متطلبات التنمية، إلا أنه لم يحظ بالاهتمام المناسب لفترات طويلة، لانشغال المجتمع بصورة أكبر بالتعليم العام جريا وراء وضع اجتماعي أوجه من الناحية الشكلية دون الواقعية.
ويأتي الاهتمام بالتعليم الفنى استجابة للضرورات الحتمية التي تفرضها التحديات العالمية المعاصرة، ومجتمع المعرفة، الذي سيغير حتماً من دور سوق العمل، وسيتحكم في المجتمع الصناعي، بما يطرحه من أنماط جديدة للعمل في تخصصات غير نمطية.
وينقسم التعليم الفني إلى ثلاثة أقسام هي: الصناعي والزراعي والتجاري، وتنقسم تلك إلى تخصصات فرعية تصل إلى أكثر من 110 تخصصاً في الصناعي وحده. وتبلغ أعداد الطلاب بالتعليم الفني ما يقرب من ضعف أعدادهم في التعليم العام: فبينما يلتحق بالتعليم العام مليون وثلاثمائة ألف تلميذ، يبلغ عدد الطلاب بالتعليم الفني مليونين وربع تلميذ. وإذا نظرنا إلى الأعداد على شكل نسب سنجد أن نصيب التعليم العام هو 36% من العدد الإجمالي مقارنة بـ 64 % للتعليم الفني مقسمة إلى 30% صناعي و 8% زراعي و 26% تجاري. أما عن المعلمين فلدينا مائة وخمسون ألفا بالتعليم الفني مقابل حوالي المائة ألف بالتعليم العام وتلك الأعداد في اطراد مستمر.
ويبلغ إجمالي عدد المدارس بالتعليم الفني 1584 مدرسة منها 862 مدرسة صناعية مقسمة كالتالي: 31 مدرسة صناعية نظام خمس سنوات، 528 مدرسة صناعية نظام ثلاث سنوات حكومية، وثمان مدارس صناعية نظام ثلاث سنوات خاصة، 40 مدرسة بنظام مبارك كول، و255 مدرسة إعداد مهني. وتبلغ مدارس التعليم الزراعي 177 مدرسة منها ثلاث مدارس زراعية نظام خمس سنوات، و112 مدرسة زراعية نظام الثلاث سنوات و62 إعداد مهني. أما عن مدارس التعليم التجاري فعددها 545 مدرسة منها 498 حكومية (عبارة عن 452 ثلاث سنوات و46 خمس سنوات) و47 مدرسة خاصة (41 منها ثلاث سنوات وست مدارس خمس سنوات).
وقد بذلت وزارة التربية والتعليم جهودا لتطوير التعليم الفني تمثلت محاورها فيما يلي:
أولا: التوسع في عدد المدارس لمواجهة الأعداد المتنامية من التلاميذ.
ثانيا: إنشاء المدارس الفنية المتطورة، ومن أمثلتها: المدرسة الفنية المتقدمة لتكنولوجيا المعلومات بالإسماعيلية، والمدرسة الفنية لتكنولوجيا الصيانة.
ثالثا: التعاون مع الوزارات والهيئات والمحافظات للتوسع في تطبيق نظام التعليم المزدوج، ومنها: وزارات الإنتاج الحربي، والتجارة الخارجية والصناعة، والكهرباء، والبترول، والنقل والمواصلات، والصحة والسكان، والإسكان والتشييد، وهيئتي تنمية بحيرة السد العالي، والأبنية التعليمية.
رابعا: تطوير نظم التدريب المزدوج بإدخال مشروع مبارك كول للتدريب المزدوج والتوسع فيه.
خامسا: قامت بتحديث المعدات وتوفيرها لعدد كبير من المدارس موزعة على محافظات الجمهورية ، كما أنشأت مركزا لتدريب المعلمين على المعدات الموردة.
مع كل ما بذلته الوزارة لتطوير التعليم الفني على مدى عدة سنوات، إلا أن التعليم الفني مازال يعاني من العديد من المشكلات، وما زال في وضع أقل مما نصبو إليه:
فالتعليم الفني لا يؤهل بالدرجة الكافية للالتحاق بالتعليم العالي.
وأعداد المدارس ما تزال أقل من المطلوب لاستيعاب الطلب عليها، وكثافة الفصول مازالت أعلى من المعدلات المناسبة.
والإمكانيات التدريبية والتعليمية لا ترقى للمستوى الذي نتمناه.
وقلة الفرص المتاحة لتدريب التلاميذ على الواقع في مواقع الإنتاج والخدمات.
وتوزيع الطلاب على التخصصات بناء على المجموع فقط بما لا يعكس بالضرورة رغبات التلميذ وقدراته.
وهناك عجز في الإمكانيات الإدارية.
وأعداد المدرسين غير كافية، وهم في حاجة إلى تدريب مستمر.
ومناهج التعليم الفني وكتبه وطرق التدريس في حاجة إلى إعادة نظر.
والتمويل سواء للتجهيزات أو للمواد التدريبية غير كاف.
وقد قامت الوزارة مؤخرا بفتح ملف التعليم الفني من جديد واتخذت عددا من الخطوات:
بدأت بدراسة أوضاعه وجمع المعلومات عن كل عناصر منظومته،
العكوف على جمع ما توفر لها من دراسات وأبحاث تمت في مراكز أبحاثها أو في مواقع علمية وعملية وقومية أخرى، هادفة للاستفادة من كل مجهود سبق بذله،
مراجعة بعض خبرات دول أخرى سبقتنا على طريق التطوير،
النظر في الخبرات التي نجح تطبيقها على المستوى القومي، وفي عوامل نجاحها،
توقيع بروتوكول مع الصندوق الاجتماعي للتنمية ووزارة القوى العاملة لاستخدام مخرجات المشروع القومي لمستويات المهارة في وضع الأهداف التدريبية التي تضمن لخريجي التعليم الفني مستوى من الجدارة المهنية معترف به عالميا،
النظر فى توحيد مناهج المواد الأساسية الإلزامية مثل اللغات والرياضيات والعلوم والتاريخ فى كل من المدارس الفنية ومدارس التعليم الثانوى العام رفعا للمعرفة النظرية والثقافية لخريجى المدارس الفنية.
وضع خطة طموحة للتطوير نطمع في تنفيذها على عدة محاور.
من ذلك نرى أنه بالرغم مما قامت الوزارة بتنفيذه من خطط للتطوير والإصلاح، فإن الطريق مازال طويلا والمطلوب مازال كثيرا. فلن يتم التطوير الذي نهدف إليه إلا بتضافر الجهود وتعاون المجتمع كل على قدر طاقته وإمكانياته، وحسب مجاله وفرص مساهمته.
ويعد اهتمام المجتمع بالتعليم الفني، وبتطويره، هو المحور الأساسي الذي يجب التركيز عليه في المرحلة القادمة، لكي يؤدي دوره المتناسب مع أهميته في دفع عجلة التقدم. فالتعليم الفني المتطور هو قاطرة التقدم، بما يوفره من قدرات بشرية، منتجة، مثقفة، واعية، قادرة على استيعاب التكنولوجيا واستغلالها، والابتكار والتطوير فيها، وبها، كما أن الدور الاجتماعى للتعليم الفنى فى غاية الخطورة والأهمية فهو المنوط به تأهيل قوى المجتمع المنتجة للالتحاق بسوق العمل فور تخرجها من أبوابه.
ومع توقد شعلة الاهتمام تلك فالأمل كبير فى قدرتنا على أن نطور هذا القطاع الحيوي، لنبعث فيه الحياة، ليصبح قادرا على إعداد التقني المتطور، القادر ليس على استغلال التقنيات المستحدثة فحسب، ولكن على كفاءة استغلالها. ولا ينفصل عن ذلك اعتزازه بنفسه، وبدوره في المجتمع، ذلك الاعتزاز الذي يمكنه أن يحققه باحترامه لمهنته، وإخلاصه فيها، وقدرته على الارتقاء بخبرته، وملاحقته للتطور في تخصصه، وللمستحدث في أساليبه وتقنياته، وبمتابعته لتعليمه، والارتقاء به إلى أعلى المستويات، دون قيود سوى قدراته وإمكانياته.
التطوير بهدف توفير تعليم فني لا تقف أهدافه عند تخريج الفنى في مجال مهنته فقط، ولكن الفني المتطور، الذي يتمتع بقدرات متكاملة، من إتقان لعناصر مهنته التي اختارها بما يتناسب مع قدراته وميوله ورغباته وظروف بيئته التي يعيش فيها. ويتعين من ثم أن يكون هذا المواطن ملما بما تتطلبه مهنته من تقنيات وما تستلزمه من معرفة بالعلوم والثقافات، وأن يكون قادرا على تطوير نفسه وتثقيفها، واعيا بتاريخ أمته وموقعها بين الأمم، حريصا على المساهمة في تحقيق أهدافها المستقبلية.
تعليم فنى يتيح التدريب المستمر لقوى الإنتاج في المجتمع، ويقدم لها المشورة والنصح. وإلى تعليم فني يضرب المثل في دقة الإنتاج، والالتزام في العمل من خلال مشروعاته الإنتاجية.
كما يُدرِّب على إنشاء المشروعات وإدارتها، ليتيح للخريج أن يكون خلاقا لفرص العمل لنفسه، ولغيره. تعليم فني يُمارَس فيه التعليم والتدريب في جو مريح، وإطار ممتع يشجع على التفوق والابتكار.
بما يمَّكن من تكامله مع التعليم التقني العالي ومع التدريب المهني، في الإمكانيات والخبرات والموارد، ويتكامل معهم في إمداد المجتمع بالطاقة البشرية المنتجة والمبتكِرة على اختلاف مستوياتها ومواقعها في منظومة متكاملة، متعاونة، متناغمة، ومتوافقة